هدية المدونة

هدية المدونة
لوحة بالفحم رسمتها : الكاتبة هاجر لعريبي

samedi 30 octobre 2010

القصة القصيرة جدا والإعلام



القصة القصيرة جدا والإعلام

بقلم :


11 أكتوبر 2010

موقع دروب


لقد ظهر، قبل عقود قليلة، جنسٌ أدبي ذو مِيزات عديدة شكلا وصياغة ومضامينَ، استطاع، في غضون سنوات ليست بالكثيرة، أن ينحت لنفسه مكاناً سَنيّاً في المشهد الثقافي العربي المعاصر مشرقاً ومغرباً. إنه القصة القصيرة جدا، التي نعبّر عنها، اختصاراً، بـ”ق.ق.ج”. وكان للإعلام الورقي والرقمي بالغُ الأثر في نشرها، والتعريف بها، واحتضان الأقلام الخائضة غمارَها؛ إذ يكفينا إلقاء نظرة، ولو عَجْلى، على الصحف التي تظهر في الأكشاك والمكتبات، لنخرج بملاحظة لافتة للانتباه، وهي عدم خُلوّ أي عدد منها من قصة قصيرة جدا أو أكثر أو من دراسة حَوَالَها. وإن هذا الاحتفاءَ بها يتزايد يوماً بعد آخر، وأعدادَ كاتِبِيها في تضاعُف مستـمرّ؛ وذلك مردُّه إلى طبيعة القصة القصيرة جدا في حد ذاتها، والتي استطاعت أن تعبّر عن الواقع المَعيش بكل تمظهراته وتفاعلاته وأبعاده، وبأسلوب مُوحٍ ومكثف ومختزل، ولا يُحتاج منا، لقراءتها، سوى وقت قصير جدا، لاسيما وأننا نعيش، الآن، في عصرٍ يُوسَم بـ”السرعة”.

ومما لا ريب فيه أن الإعلامَ اضطلع بدور حاسم في نشر هذا الجنس الإبداعي المُستحْدَث في أدبنا المعاصر؛ مثلما عمل، في فترات سابقة، على إذاعة أجناس أخرى. وسأتحدث، ها هنا، بالخصوص عن الصِّحافة الورقية المتخصصة. فقد عرفت، مثلا، أواخر تسعينيات القرن المنصرم (يناير 1999) ظهورَ مجلة معروفة احتضنت صفحاتُها أقلاماً مُبدِعة عربية كثيرة في فنون وأجناس أدبية مختلفة، وهي مجلة “إبداع” التي كان يحررها الشاعر المصري الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، وكانت تصدر أولَ كل شهر. وإذا كانت هذه المجلة قد اهتمت بالإبداعات أساساً، فإن ثمة أخريات ركزت أكثر على نشر المقالات والدراسات النقدية؛ منها مجلة “الناقد”، التي سبقتها زماناً، وكانت شهرية الصدور “تُعْنى بإبداع الكاتب وحرية الكتاب”. وإن تركيزها الواضح على نشر النقود لم يمنعْها من تضمين أعدادها نصوصاً إبداعية في الشعر وفي غير الشعر؛ مثلما لم يمنع توجّه المجلة الأولى المركِّز على نشر الإبداع الأدبي من نشْر بعض الدراسات النقدية حول الشعر وغير الشعر. وعرفت الساحة الأدبية، لدى العرب، ظهور مجلات أخرى أكثر تخصُّصاً من “إبداع” و”الناقد”؛ كمجلة “الراوي”، وهي “دَوْرية تعْنى بالسرديات العربية”، يُصدرها النادي الأدبي الثقافي بجُدّة إلى جانب مجلات أخرى رائدة؛ وعلى رأسها “علامات في النقد”، و”جذور”، و”عبقر” المتخصصة في نشر الأشعار والدراسات المتمحِّضة لها.

وثمة منابرُ صِحافية ورقية أخصُّ من “الراوي”، اعتنت بأجناس أدبية منفردة؛ بحيث شهدت حومة الأدب العربي المعاصر صدور مجلات اختصّ بعضُها بالقصة القصيرة إبداعاً ونقداً؛ كمجلة “القصة” الفصلية التي كان يصدرها “نادي القصة” بالقاهرة، بالتعاون مع الهيأة المصرية العامة للكتاب، وكان يرأس هذا الناديَ الراحلُ نجيب محفوظ؛ الروائي العربي الوحيد الذي حاز جائزة نوبل للآداب إلى يومنا هذا، ويتولى تحرير المجلة المذكورة ثروت أباظة رفقة أسماء أخرى ذات باع طويل في مجال القصّ. واختصّ بعضُها الآخرُ بالمسرح؛ مثل مجلة “المسرح” الشهرية التي تصرها الهيأة المصرية العامة للكتاب، ويرأس تحريرها محمد عدناني، وتستقبل النصوص ذات الصلة بالثقافة المسرحية سواء أكانت بالفصحى أم بالعامّية، وسواء أكانت مؤلفة أم مترجَمة إلى العربية، وسواء أكانت إبداعات أم دراسات، إلى جانب تخصيصها أبواباً للحوارات والبورتريهات والإصدارات ونحو ذلك. واختصت مجلات أخرى بـ”ديوان العرب” منذ القدم؛ ولعل من أهمها مجلة “الشعر” الفصلية التي تصدر عن اتحاد الإذاعة والتليفزيون بمصر، ويرأس هيأة تحريرها، حالياً، فارس خضر. وهي تنشر النصوص الشعرية بالفصحى وبالعامّية، وكذا الدراسات المنجَزَة حول الأشعار؛ قديمِها ومُحدَثها، عربيِّها وأجنبيّها. وقد خصصت المجلة ملف عددها الأخير للراحل محمد عفيفي مطر، وأسهم فيه كل من شوكت المصري، وأيمن تعليب، ومحمد الجزار، ومجدي هدية، وعادل سميح. ولم تخلُ الساحة الأدبية العربية من مجلات اختصت بالرواية إبداعاً ونقداً، بل إننا نُلفي فيها مجلات من هذا القبيل؛ ولعل أبرزها مجلة “الرواية” التي ظهر، إلى الأسواق، مؤخراً عددُها الرابع موزعاً على ثمانية محاور أساسية؛ أفرِد أولها للرواية الإيرانية المعاصرة، وثانيها للروائي يوسف إدريس، وخامسُها لتجربة محمد البساطي، وسادسها ليوسف القعيد؛ أحدِ أعلام الرواية المصرية في الستينيات. كما تضمّن العددُ ملفيْن مهمّين؛ أحدهما عن علاقة الرواية بالتلفزيون، والآخر عن علاقتها بالسينما. والمجلة المَعنية، هنا، دورية تعنى بالرواية المصرية والعربية والعالمية، ويديرها عبد الرحمن أبو عوف، وتصدر عن الهيأة المصرية العامة للكتاب. ويضاف إلى هذه المجلات الورقية المتخصصة كلها مجلات أخرى كثيرة رقمية تختص بأجناس وفنون عديدة، وتنشر نصوصها وإبداعاتها إلكترونياً، ولا يتسع المقام هنا للحديث عنها.

ولما كان انتشارُ القصة القصيرة جدا، في مشهدنا الأدبي المعاصر، سريعاً، وحضورُها ملحوظاً في أغلب المجلات الثقافية التي تصدر منذ سنوات عدة، فقد كان لا مناص من التفكير في خلق منبر صحافي خاصّ بها على غرار ما رأيناه بشأن الأجناس الأدبية الأخرى. وجاءت المبادرة من المبدع العراقي المتألق زيد الشهيد الذي أنشأ، في هذا الإطار، مجلة “تراسـيم”، وجعلها متخصصة في هذا الجنس الإبداعي الجديد؛ تنشر نصوصه الإبداعية، وكذا الأبحاث والمقالات المُدَبَّجة من حوله. وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسَها ناقد ومبدع ومترجم، حصل على البكالوريوس في اللغة والأدب الإنجليزيين، وينتمي إلى اتحاد الأدباء العراقيين، كما أنه عضو في اتحاد كتاب العرب الذي يوجد مقرُّه في دمشق. وصدرت لزيد الشهيد ثلاث مجاميع قصصية ما بين 1994 و2004؛ هي: “مدينة الحجر” (العراق)، و”فضاءات التيه” (إسبانيا)، و”حكايات عن الغرفة المعلقة” (الأردنّ). وله تجربة في مضمار الكلمة الشعرية، بديوانه الصادر عام 2004، تحت عنوان “أمي والسراويل”.

وبالرُّغم من قِصَر عُمر هذه المجلة، إلا أنها احتضنت أقلاماً عديدة من المشرق ومن المغرب معاً، ونشرت نصوصاً كثيرة في القصة القصيرة جدا وحولها، وأسهمت، إلى حد مّا، في التمكين لهذا الجنس الأدبي وإشاعته والتعريف به على نطاق واسع، ووفّرت إطاراً مستقلا لتلقي كل ما يتمحّض لهذه القصة ونشْر ما استحقّ أن يُنشَر منها. وقد ظفرْنا خلال هذا العمر بثلاثة أعداد قيّمة من “تراسيم”، كانت غنيّة في محتوياتها، ومتميزة في أسلوب تقديمها.

عرفت المجلة طريقها إلى الوجود في ربيع 2009، وتضمّن عددُها الافتتاحي جملةً من الموادّ والنصوص والأبواب، استهلّه رئيسُ تحريرها زيد الشهيد بكلمة موسومة بـ”إطلالة مطر السرد”، مما جاء فيها قولُه: “منذ اكتشفتُ أنني أسير في درب السرد وأنّ بعضاً من هذا السرد اتجه صَوْبَ مرفإ القصة القصيرة جدا، وشعورٌ زاخرٌ يُساورُني ويلحّ عليّ بأن ثمة مهمة كبيرة تقع على عاتقي، تتمثل بوضع هذه الكيْنونة، التي غدت علامة بارزة ومتميزة في ساحة السرد العراقي، في كِيان تاريخي يجمعها في دفةٍ تشكل هُويتها كمملكة يدخلها القارئ وهي محمّلة بهوية تشير إليها وكيان يُؤسْطرها ويجعل منها حياة تتماهى ورغبته في التذوق والرحيل القرائي الذي ينثر في سماء تحرُّكه لذاذة التتبُّع وشوق اللقيا، فسعيتُ جادّاً في مراسلة ودعوة خائضي هذا التوجُّه من كتاب ونقاد سواء في العراق أو خارجه، طارحاً فكرة إصدار مجلة تعنى به، فما حصدتُ من ردودٍ سوى الشّدّ على اليد، والتصميم على الوقوف جنباً إلى جنبٍ، ما قرّب فكرة ولادة هذه المجلة التي ترى النورَ بفضلهم، وتدخل إلى مضمار الخلق السردي والثقافي لتضمّ وجودها إلى مشاوير أخواتها من المجلات الثقافية، يَحْدوني أملٌ أن تستمر في سيْرها متعافية ناشطة بلا تلكُّؤ ولا تأخير.”

وأعقب هذه الافتتاحيةَ مقالةٌ نقدية للأكاديمي جاسم خلف إلياس، تتبَّع، عبر فِقْراتها، مسارَ القصة القصيرة جدا التاريخي منذ صرخة ميلادها في أدبنا إلى أيامنا هذه التي تحقق فيها انتشاراً لافتاً للنظر. ومن موادّ العدد الأول كذلك دراسة للناقد العراقي محمد حبيب عنوانُها “السرد في غيابة الجُبّ”، قارَب فيها مجموعة “أنفلوانزا الصمت” للقاصّ باسم القطراني. ونقرأ في باب الإبداع نصوصاً قصصية قصيرة جدا لعددٍ من المبدعين العراقيين وغير العراقيين؛ وهم: سمير أحمد الشريف، وآسيا علي موسى، وهيثم بهنام بردى، وطامي هراطة عباس، ونعيم عبد مهلهل، وزيد الشهيد، وأحمد الباقري، وحسن عبد الرزاق، وباسم القطراني، وفريد دوهان، ومحمد الأحمد، وجمال كامل فرحان، وطه الزرباطي، ومحمد عبد حسن، وعبد الحليم مهودر، وعلاء شاكر، وعبد الرضا صالح، وفرات عبد الصاحب التي لم تشارك بنصّ إبداعي مؤلَّف، بل بترجمة قصة “كدر في منتصف الليل”. واختُتِم العدد بزاوية، ستشكل أحدَ أبواب المجلة الثابتة، سُمّيت “نافذة ودّ”، حرّرها الناقد العراقي علوان السلمان؛ أحدُ أعضاء هيأة تحرير المجلة، واختار لها، عنواناً، عبارة “إصدارٌ يؤرّخ للقصة القصيرة جدا”، ومما ورد فيها قولُه: “بنُزولها إلى النور تكون مجلة “تراسيم” أولَ منشور يُعنى بالقصة القصيرة جدا، ويضمّ بين دفّتيْ غلافه نَتاجات قصّاصين وجدوا في القصة القصيرة جدا تعبيراً سردياً يسْكبون في بُوتقته رُؤاهم وتصوّراتهم.”

ولما كان للقصة القصيرة جدا وشائجُ وصلاتٌ وُثقى بالأجناس الأدبية والفنون الأخرى، لم يَشَإِ القيّمون على “تراسيم” قصْرَها، تماماً، على هذه القصة، لذا ألفَيْناهم يُفردون أبواباً لبعض تلك الأجناس والفنون، ولاسيما للشعر والتشكيل؛ بحيث حوى العدد الأولُ نصوصاً شعرية لكل من منخل اليشكري، ووليد حسين، وجمال جاسم أمين، وموفق صبحي، ووهاب شريف. وفي الباب الآخر، نجد موضوعاً في ميدان التشكيل تمحْوَرَ حول الفنان النمساوي غوستاف كليمت، نقله إلى العربية الأستاذ زيد الشهيد.

وصدر العدد الثاني من المجلة في صيف 2009، مصَدَّراً بكلمة افتتاحية أشار فيها رئيس تحريرها إلى القبول الحسن الذي تقبَّلت به جمهرة القراء العرب هذا المولود الصحافي الجديد، واصفاً مشاعر القائمين عليها بذلك، واغتباطهم بنجاح المجلة منذ طلعتها الأولى، مُستشعراً، في الوقت نفسِه، ثقلَ المسؤولية المُلقاة على كاهلهم لمواصلة الطريق التي دشّنوها، وللوصول بالفكرة التي احتضنوها بين ضلوعهم إلى المآل والمُبتغى المرسوم سلفاً. وتطالعنا في باب الدراسات دراسة حملت عنوانَ المجلة نفسَه، نسج خيوطها الناقد العراقي فاضل عبود التميمي، نقتطع منها قوله: “بصدور مجلة “تراسيم”، العدد الأول/ ربيع 2009، يكون الكاتب الأديب زيد الشهيد قد حقق حُلماً سردياً طالما راوَدَه مقترناً بالكوابيس والأحلام اللّطاف، وذلك هو إصدار مجلة مَعْنية بالقصة، لاسيما القصيرة جدا. وإذا كانت “تراسيم” في عددها الأول قد أعلنت عن هويتها وهي تتحرك واثقة من نفسها على أملِ أن تتواصل مجلة فصلية تطمح لأنْ تكون شهرية مَعنية بالقصة القصيرة جدا إبداعاً ونقداً وتجاربَ ورؤىً بوصفها المجلة التي ابتكرت أسلوبَها وطرائقَ اتصالها بالقصة، فإن انحيازي لها يدْعوني لأن أحدّثها عن تجربة مماثلة كانت رائدة في العناية بالقصة القصيرة، تلك هي مجلة “القصة” التي صدرت في مدينة بعـقوبة، في ستينيات القرن العشرين، لتكون اليومَ مهاداً تاريخياً وفنياً لولادة “تراسيم”.”

وضمّ البابُ عينُه دراسة بعنوان “تشريح موجز لفن القصة القصيرة جدا” للناقد العراقي موسى زناد سهيل، وأخرى بعنوان “القصة النسوية القصيرة جدا” للناقد المصري شوقي بدر يوسف، ودراسة رابعة تناول فيها صاحبُها علوان السلمان، بالتحليل والدراسة، مجموعة “وردة الفطور” للقاصّ العراقي حنون مجيد.

وانطوى باب الإبداع على كَمّية مهمة من القصص القصيرة جدا لكُتاب من المشرق والمغرب معاً، هم: فرج ياسين، وعبد الكريم يحيى الزيباري، ومحمد زيدان، والسيد نجم، ومحمد عطية محمود، ومصطفى نصر، وجمال نوري، وعلي حسين عبيد، وحسن علي البطران، والسعدية باحدة، وريسان جاسم عبد الكريم، وحسن بنومة، وابتهال الجنوب، وعباس علي. ونقرأ، في باب “أدب مترجم”، قصة لجارلس ديكنز، عرَبتْها فرات عبد الصاحب. وفي أواخر العدد حيّز مخصصٌ للتعريف بالإصدارات الثقافية الحديثة، وبعده كلمة هيأة التحرير، في زاوية “نافذة ود”، وكان موضوعها “اتحاد الأدباء.. طاقة لم تتعطل، ونشاط استمرّ فاعلاً”. والملاحَظ أنه قد زيد في العدد الثاني من المجلة بابٌ جديد خاصّ بالقصص القصيرة جدا الموجَّهة، خصيصاً، للأطفال، واحتوى على أربعة نصوص للعراقي سهيل ياسين ذي الإسهام الوفير في مجال الأدب الطِّفلي عموماً، وقصص الأطفال خصوصاً.

وآخرُ ما صدر من “تراسيم” هو عددُها الثالث، في الخريف الماضي، متضمِّناً الأبوابَ التي رأيْناها في العدد السابق نفسَها. وقد افتتحه رئيس التحرير بكلمةٍ مما جاء فيها: “القصة القصيرة جدا صارت مُراداً ومآلاً، وصار المتلقي متذوّقاً لها ومنتظِراً إطلالتها مثلما خالِقها يجدها خيرَ معبّر عن ما يريد الإفضاء به.. دخلت إلى ميدان البحوث الأكاديمية، وخرجت برسائل ماجستير تؤكدها وتقرّ بفعل تأثيرها معتبرةً إياها اتجاهاً سردياً أصيلاً ينأى عن الهُجْنة، ويقترب من الاستقبال المُفعَم بالرغبة.. دخلت ميدان البحوث غَوراً إلى بداياتها ووصولاً إلى تجسُّدها الحالي عبر سجالاتٍ وتحاوُرات بصيغة دراسات تشكل ثراءً لا يُستهان به.”

وحوى العدد ثلاثَ دراسات حول جنس القصة القصيرة جدا؛ بعضها نظري، والآخر تطبيقي؛ أولاها للناقد العراقي عبد علي حسن، مُعنْوَنة بعبارة “صرامة التجنيس وتجريبية القصص”، والثانية لمُواطِنه زيد الشهيد، بعنوان “القصة القصيرة جدا”؛ وهي، في الأصل، مداخلة كان قد شارك بها في مهرجان السياب الخامس (2009)، والأخيرة لسعاد مسكين درست فيها مجموعة “قليل من الملائكة” لعبد الله المتقي الذي يعد أحدَ رواد القصة القصيرة جدا بالمغرب، إلى جانب كوكبة من المبدعين الآخرين.

ونقرأ في العدد الأخير من “تراسيم” نصوصاً قصصية قصيرة جدا لوائل وجدي، وكريم الوائلي، وناصر قوطي، وعبد الرضا صالح، ونواف خلف السنجاري، وعامر هاشم، وخالد جمال الموسوي. وعلاوة على هذه النصوص، اشتمل العدد على قصص قصيرة جدا موجَّهة للأطفال أبدعها أحمد جنديل، ومحسن ناصر الكناني. وضمّ، في باب “أدب مترجم”، قصصاً للأمريكية كريستال ديانا أربوغاست، والأسترالية سوزان ماكمايكل، ترجمها إلى العربية السوري صالح الرزوق. واختُتم العدد، كما سابقه، بفضاء مكاني خُصِّص لتعريف قراء المجلة بأحدث الإصدارات الثقافية، وبزاوية “نافذة ود” التي كتب كلمتها، هذه المرّة، الناقد تحسين عباس، وكانت بمثابة خاتمة العدد.

يتوضَّح مما سلف أن “تراسـيم” مجلة رائدة في ميدان القصة القصيرة جدا، وأنها – رغم كونها عراقية المنشإ – قد احتضنت الأقلام التي تكتب أو تبدع في هذا النطاق، ووفرت لها منبراً إعلامياً وفضاءً صِحافياً متخصصاً لنشْر ما تجود به قرائحُهم ومُخيّلاتهم أو ما تخطّه أياديهم من أبحاث حول هذه القصة سواء أكانت نظرية أم تطبيقية. كما أنها لم تكتفِ بمخاطبة الكبار، بل توجهت كذلك إلى الصغار، عبر تلك البوّابة التي أفْرَدتها، منذ ثاني أعدادها، لقصص الأطفال. ولم تقتصر المجلة على نشر القصص المؤلفة، بل انفتحت على القصة العالمية من خلال باب ثابت تخصصه، في كل عدد، لترجمة قصة أو أكثر من القصص القصيرة العالمية.

إن مجلة “تراسـيم” قدمت خِدْماتٍ جليلة للقصة القصيرة جدا بالوطن العربي نشْراً وتعريفاً ودراسةً ونقداً، وذلك في وقت كانت في مسيس الحاجة إلى مثل هذا المنبر، وهي تسعى إلى فرْض ذاتها ضمن خارطة الأدب العربي المعاصر، وتبوّء مكانة لائقة بها إلى جانب باقي أجناسه وفنونه الكثيرة المتدافعة لحيازة الريادة، وتصدُّر الساحة الثقافية، واستقطاب أكبر قدر ممكن من القراء. ولا شك في أن وراء هذا النجاح المتحقق للمجلة رجالاً مخلصين أحبّوا ذلك الفن الأدبي، فبذلوا كل ما بوُسعهم ليصل إلى مرتبة تمكّنه منْ أنْ يكون أحد فنون الأدب الأساسية في عصْرنا هذا الذي تميّزه السرعة في كل شيء، وعلى رأسهم الناقد والمبدع زيد الشهيد.

وأودّ أن أشير، في ختام هذه المقالة، إلى أن المبدع المغربي عبد الله المتقي يعتزم إصدار مجلة ورقية فصلية متخصصة في فن القصة القصيرة جدا، اختار لها اسماً معبِّراً؛ هو “دبابـيس قصصية”. وستكون هذه المجلة، لَمّا تصدر بحول الله، إضافة مهمة إلى الصحافة الثقافية العربية المتخصصة، وستُسْهم، بلا شك، في الدفع بهذا الفن قدُماً إلى الأمام.





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire