هدية المدونة

هدية المدونة
لوحة بالفحم رسمتها : الكاتبة هاجر لعريبي

أحمد جنديل -قصص قصيرة -

الجريمة الكبرى :




بعد الإعلان عن شفاء ملك الغابة ، عمّت الفرحة جميع حاشيته ومحبيه ، وارتفعت الزغاريد ، وتصاعد قرع الطبول . وفي وسط أجواء الفرح ، أقيم مهرجان ترفيهي شارك فيه مجموعة من القردة والخنازير والثعالب ومجموعات أخرى من سكان الغابة .



وجلس الملك في المكان المخصص له ، الذي يشرف على الجميع . وبدأ المهرجان باعتلاء شيخ القردة المسرح ، ليروي نكتة ، يشيع من خلالها الفرح والحبور في نفس الملك وجموع الحاضرين ، وأثناء حديث الشيخ القرد ، بدأ رأس الثور بالاهتزاز من شدّة الضحك ، وأخذ الفيل يرفع خرطومه وينزله إلى الأرض ، واستلقى الثعلب على ظهره ، وهو يحرّك رجليه إلى الأعلى ، واغرورقت عينا الذئب بالدموع ، وتعالت أصوات الجميع ، واحمرّت الوجوه ، وبرقت العيون ، وفتحت الأفواه ، وتحوّل المكان إلى مهرجان للضحك وكرنفال للمسرّة ، والنكتة لم تكتمل بعد .



وكان من بين الحاضرين ، مالك الحزين ، الذي أتخّذ مكاناً بين الحضور ، وأراد أن يشاركهم الضحك ، إلا انه لم يستطع ذلك ، حيث خرجت قرقرة من فمه ، أسرع بعدها إلى دفع إرادته نحو فعل الضحك ، فرفع صوته إلا إنه أطلق نواحاً ، ممّا حدا بالأرنب أن يلكزه بكوعه ، استفزّ على أثرها قواه لكي يلغي صوته بصخب الأصوات المرتفعة ، غير أنّ نظرات الملك إليه ، سلبته كلّ فعل ، وبقي على حاله مرعوباً حتى مغادرة الجميع ساحة الاحتفال .



لم ينم مالك الحزين تلك الليلة ، فقد غرق في بحر من الحزن ، لم ينـقـذه منه غير حرّاس المملكة ، الذين داهموه ، واقتادوه إلى جهة مجهولة ، حيث سلخ جلده ، وعُلقّ بعدها على سارية العلم الوطني للغابة .


الحلم القاتل :



كان ذا دراية بأحوال الغابة ، ولد فيها وترعرع في أحضانها ، ودخل بيوتها ، وشارك أهلها أفراحهم وأحزانهم ، ممّا أكسبه احتراما وتقديرا من الجميع لتواضعه وعلمه وشجاعته وحبه لسكان الغابة .



وكان الاحترام يلاحقه أينما حلّ ورحل ، وحيثما قام أو قعد ، فهو الزائر للمريض ، والمدافع عن الضعيف ، والمانح ما لديه للمحتاج ، والمجتهد في زرع المحبة والسلام بين سكان الغابة والطافح قلبه بالخير والأمل .



ذات يوم كان منهمكا بإصلاح ذات البين لفريقين متخاصمين ، اِستطاع بحكمته أن يعيدهما إلى حظيرة الصفاء ، ويمسح من قلوبهم آثار الكره والضغينة ، ولم يكتف بذلك ، بل رافقهم إلى بيوتهم واطمأنّ عليهم ، ثمّ عاد إلى بيته وقد أخذ الإرهاق والجهد مأخذه ، وما أن دخل داره حتى أسرع إلى فراشه وغطّ في نوم عميق .



أثناء نومه راوده حلم تمثّل فيه أنه حاكم الغابة وأميـرها والمتـنفـّذ فـيها ، وكيف تعامل مع سكانها ، فأشاع العدل فيها ، وأغلق جميع السجون ، وأوقف ممارسات التعذيب والتنكيل ، ومنح الحرية لأهلها ، وكيف ازدهرت حياة الفقراء ، وانتقلت الغابة إلى مرحلة التطور والازدهار والتقدم .



كان الدب غارقا في حلمه الجميل عندما نهض مرعوبا على أثر لكمات مفاجئة في وجهه ، وركلات في بطنه ، وعندما فتح عينيه ، وجد أمامه مجموعة من حراّس الغابة الذين أسرعوا إلى وضع القيود في يديه وساقوه إلى خارج البيت .



بعد يوم واحد نفذّ به حكم الإعدام ، لارتكابه جريمة الخيانة العظمى ، وبعد أسبوع نفذّ حكم الإعدام بمجموعة من حرّاس الغابة لارتكابهم جريمة الإهمال في الواجب والتقاعس عن المراقبة .