هدية المدونة

هدية المدونة
لوحة بالفحم رسمتها : الكاتبة هاجر لعريبي

غازي الجبوري -مقال -

قضية للمناقشة : بماذا يشعر المميزون ونظرائهم وكيف ينظرون إلى بعضهم البعض؟

خلق الله تعالى الناس مختلفين في جميع المؤهلات والمواهب والمواصفات كالجمال والعلم والثراء والذكاء والموقع الاجتماعي والرسمي والصحة العضوية والنفسية .


ولذلك نجد بينهم المتميزين بهذه الصفة أو الموهبة أو المؤهل مثلما نجد بالمقابل نظرائهم الذين يفتقدون إليها . وهذا التميز أو النقص نجده أيضا على درجات وبمستويات متباينة بحيث نجد على سبيل المثال الإنسان الجميل والجميل جدا والأجمل وفي المقابل نجد الذين يفتقدون بدرجة أو بأخرى إلى أية مسحة من مسحات الجمال . وينسحب ذلك على ذوي العلم والثراء والمواقع الرسمية والاجتماعية والشهرة والمواهب العلمية والشعرية والفنية.
وقد نتجت عن هذه المواصفات مشاعر مختلفة لدى من يمتلكها ولدى من يفتقدها أفرزت آثارا ً نفسية ضارة ونظرات سلبية تجاه النظير ، لذا وجب علينا أن نبحث عن وسائل ممكنة للتخفيف من وطأة هذه الآثار النفسية والنظرات بشكلها السلبي ومفعولها الضار.

إذ لايخفى على احد منا كيف يشعر الجميلون والجميلات مثلا ... فإعجاب واهتمام الناس بهم وملاحقتهم لهم للتمتع بجمالهم بأي طريقة ممكنة يولد عندهم شعور بالعظمة والأهمية والغرور الذي يجعلهم ينظرون إلى الآخرين نظرة فوقية متعالية وبالمقابل فان رد الفعل لدى من يفتقدون إلى تلك المميزات سيكون شعور بالنقص والإحباط واليأس مع نظرة مزيجه من الحسد والبغض والكراهية للمتميزين بالجمال بسبب المكاسب التي تدر عليهم من جراء تميزهم . إن هذه المشاعر والنظرات تكاد تكون متشابهة عند جميع من يتميزون بالميزات المفضلة الأخرى و نظرائهم وتدل على خلل نفسي لدى الطرفين دون أن يعلم المميزون إن تميزهم لم يتضح ويبرز لو لم يكن هناك من هم اقل منهم تميزا ً ... هذا من ناحية ، ومن الناحية الأخرى فان الشعور بالغرور والنظرة الفوقية المتعالية تجاه من هم اقل منهم يضعهم في صف ناكري الجميل إزاء هؤلاء وإزاء الخالق الذي وهبهم المواصفات المميزة ضاربين عرض الحائط بمشاعر الناس الذين لم يحظوا بشيء من هذه المواهب والآثار النفسية الناشئة من جراء شعورهم بهذا النقص .

إن من جملة الأفكار التي يمكن أن تحد من غلواء هذه الإشكالية النفسية المدمرة هناك فكرة يمكن أن نعول عليها خيرا وتتمثل بتوعية الجميع بخطورة هذه الإشكالية وأضرارها التي تشمل الجميع عن طريق نشر ثقافة ضرورة ووجوب الاهتمام بالجميع على قدم المساواة باعتبار أن الجميع بشرٌ و لا فرق بين إنسان وآخر إلا بمقدار مايقدمه من خدمة للمجتمع ولا ضير من وضع معايير لتقييم الناس ليس على أساس امتلاكهم ميزة أو أكثر من الميزات مارة الذكر بل على أساس مقدار المنفعة التي يقدمها الإنسان للناس أو الضرر الذي يصدر عنه لان قيمة الإنسان الحقيقية تكمن في ذلك وليس في جماله وأمواله وعلمه وموقعه في المجتمع أو الدولة .

ويجب أن نذكر الإنسان دائما من أين أتى والى أين هو راحل فكل زهرة مصيرها الذبول كما يقال ويجب أن يضع ذلك نصب عينيه كلما حدثته أو دعته نفسه الأمارة بالسوء إلى الشعور بالعظمة والنظر بنظرة دونية إلى الآخرين فالجمال والأموال والمواهب والعلم والموقع لم تدم لأحد وكلها سيتركها يوما من الأيام ويغادر الدنيا ويتحول ذلك الجسم الذي شغل الناس سنوات عدة بمميزاته ومواهبه خلال فترة حياة صاحبه إلى جثة نتنة يسارع اقرب وأحب واخلص الناس له للتخلص منها ومن رائحتها وشكلها بدفنها في اقرب مقبرة ولا يبقى خلفه سوى الذكرى فان كان إنسانا ً فاضلا ستكون ذكراه طيبة في نفوس أقربائه وأصدقائه ومعارفه وسيفخر هؤلاء بصلتهم به كلما ورد ذكره وان كان على عكس ذلك فان ذكراه ستجلب الخجل لأقربائه وأصدقائه ومعارفه أينما ومتى ما ورد ذكره بل سيتنصلون حتى من صلتهم به ومعرفتهم له .


إن طبيعة تكويننا النفسي تملي علينا حب الظهور والشهرة وحب إهتمام الآخرين بنا وإشعارنا من قبلهم بأننا مهمون ونافعون أو ممكن أن نكون كذلك لو أتيحت لنا الفرصة اللازمة ، فما نملك من مواهب ومواقع ليس بفضلنا بل إن الله عز وجل تفضل بها علينا عندما خلقنا ورفع بعضنا فوق بعض درجات وفضل بعضنا على بعض بجميع المواصفات ولم يستثنى من ذلك حتى الأنبياء والرسل عليهم وعلى آلهم الصلاة والسلام في الوقت الذي أمرنا به أن لانتمنى مافضل بعضنا على بعض به وهذا لايعني بطبيعة الحال أن الله تعالى ليس عادلا حاشاه فنحن خلقه وملكه وهو حر في ملكه يرفع ويرزق من يشاء ويؤتي الملك لمن يشاء دون حساب ودون وجود حق لأحد من خلقه أن يعترض أو يستاء لان هذه الحياة هي حياة دنيا للعمل والامتحان وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان فلا تستحق أن يهتم بها احد لابها ولا بمميزاتها ولذلك قال الله عز وجل :" إن أكرمكم عند الله اتقاكم" ولم يقل أجملكم أو أشهركم أو أعلمكم أو أكثركم ثراء ً وهنا تتجسد المساواة والعدالة الكاملتان ، أما الحياة الآخرة فإنها حياة خالدة دائمة تستحق أن يعمل الإنسان اليوم من اجلها ويقدم ماينقذه من النار والخلود فيها ويجعله من أهل الجنة والى ذلك فليتسابق المتسابقون .

لذلك فإننا ندعو كل من يشعر بالغرور والفوقية ويوظف مالديه من مميزات لإشباع غرائزه الحيوانية أن يتواضع ويرق للآخرين ليديم الله تعالى عليه النعم برضاهم عنه ودعائهم له ويتذكر دائما أن الأنفس متساوية ومتشابهة كلها تحب الأفضل والأحسن ومثلما يحب اهتمام الناس به وينتشي بهذا الاهتمام فان الآخرين يحبون ذلك بنفس الدرجة.