هدية المدونة

هدية المدونة
لوحة بالفحم رسمتها : الكاتبة هاجر لعريبي

samedi 30 octobre 2010

صوت الهزار

قصة قصيرة
بقلم : هاجر لعريبي

على الموعد كانت تًَطُلْ بمشية تهز بها جسدي الساكن ، وعلى موعدها كنتُ أنا أطُلْ من على الشرفة لأرمقها بعيونٍ تلمع بشغفٍ يصنع رجولتي للحظات ويكبر الحلم و تشطح مخيلتي في عالم تكون هي شمسه و قمره وعندما تغيب ... و تتوارى في ذلك الزقاق يغيب كل شيء معها و يصغر الحلم وترسوا آمالي على مرافئ الحسرة ، و ينتهي كل شيء ليعود و يبدأ من جديد غدا في نفس الموعد و على نفس الشرفة من المكان الذي حدده لي القدر...


أتذكر أول مرة سمعتُ فيها اسمك ِعندما لمحتُ أختكِ الصغيرة و هي تركض خلفك مناديتا : هزار ...هزار و التفتِ أنتِ و ارتسمتْ على وجهكِ الملائكي ابتسامة دافئة حينها اختفت كل الفصول و لم يبقى غير فصل الربيع يفرش أديم عمري زهورا و ورودا يفوح أريجها عطرا ملكياً فاتناً ....هكذا تكون الحياة عندما تبتسمين ....و هكذا كانت الصدف تنسج حكايتنا التي لم تعرفي عنها شيئا مع انكِ كنتِ بطلتها ....

و حكاية رجلٍ احبكِ في الخفاء و في كل مرة كان يراكِ فيها كان يحترق شوقا لتعود وتخمد رياح غِيابكِ ذلك الاحتراق فلا تترك سوى أكوامٍ من الرماد يخنق نبضات فؤاده الممحون ...

اعذريني يا عصفورتي الصغيرة فليس الخجل من منعني عنكِ ولا التعقل... و لا التريث ...ولا التقاليد... و لا المجتمع... و لا شيء... لا شيء سوى العجز أجل يا عصفورتي ... ذلك الإحساس الذي لم يعذبني يوما كما صار يفعل بي الآن ربما وجودك اليوم في حياتي جعلني لا اصبر ولا اقبل كل ما كنت قدر رضيت به فيما مضى أم ربما حبي لكِ محا من إنسانيتي كل الأنانية وجعلني لا أجرئ على ظلم أروع إنسانة سكنت قلبي فليس عندي ما أقدمه لكِ سوى بقايا إنسانٍ نهشت الأحزان كل فرحة يمكن أن تلون حياته الباهتة وصار وجدانه خاليا من البسمة ولم يعد فكره المثخن قادرا على صنع الأحلام ، فلا زال خيالي متورما من تلك الصفعات التي كان ضميري يصفعني بها كلما وجدني أفكر بأخذ أشياء ليست من حقي... ولا حتى في تلك اللحظات المجنونة ، و لا حتى في أحلامي البريئة أو ربما كانت أوهامي الكبيرة فلقد كنت دائما محاصرا بتلك الكلمات التي سرقت حلمي وحاسبتني حتى في لحظات الجنون و بنت ذلك الجدار العالي فلم أعد قادرا على رؤيتكِ ...

كنت المذنب ...و كانت جريمتي أنني أحببتك ...

هكذا كنتِ و ستظلينَ ذلك الحلم الذي سيبقى حبيس الصمت و الجذوة التي يحرق لهيبها ذاكرتي التي تملأها الأوهام و أرواح الرغبات التي أعدمت على مقصلة المستحيل ...

انتظرتك في ذلك اليوم و لم تمري فقلت شغلها شاغل .... و مرت ثلاث ليالي على ذاك الحال و طول الانتظار يسحب أنفاسي حتى أتى يوم الخميس وسمعت الزغاريد تنبعث من مكان قريب و تدوي أرجاء الحارة الصغيرة و اقتربت أطل من على الشرفة تسوق جسدي الواهن المثقل الوساوس و تتخبط في فكري كل الهواجس وما إن وجهت نظري نحو باب منزلكم حتى التصقت مقلتاي بتلك الزينة التي أبهجت منظره وتأكدت من مصدر الزغاريد فقد كان منزلكم هو من يحضن ذلك العرس و كنت أنتِ هي العروس ...

أحسست حينها أن شيئا عزيزا كبيرا فقد مني ، و أن الجنة التي كانت تغريني في غفوتي... تناديني لأصعد و أقطف تلك التفاحة الحمراء التي تحتضنها تلك الشجرة الوارفة لم تعد كذلك و لم تكن سوى سرابا تبدد و اختفى إلى الأبد .... وفي الوقت الذي كنت أنت فيه تستقبلين ضيوفك الذين كانوا يلجون بيتكِ لتهنئتك و مباركة قرانك كنتُ أنا بحاجة لمن يعزيني و يواسيني في الشيء الذي فقد مني وانتظرت و لم يأتي أحد... لم يكن معي سوى عيوني التي غصت بدموعِ منعها كبرياءها من أن تبلل خدي و تعترف بضعفي و يعلن سيلانها أننا خسرنا لعبةً لم نقبل شروطها منذ البداية و أننا راهنا على قلب لم يعرفنا ولن يدافع عنا و لن يحبنا بل سيشفق علينا .

بعد أيام من غيابك بدا العالم من حولي يضيق شيئا فشيء و بدت الليالي أكثر حلكة حتى الشهاب الذي يخرق وميضه ذلك الستار الأسود فجأة ما عدتُ أنتظره ، فلم تعد عندي أمنيات أذكرها عندما أراه....

عندما زارني صديق لي آخر مرة طلبت منه أن يبحث لي عن طائر الهزار و يشتريه لي فليس من ذكرى أجمل من هذه تذكرني بكِ وباسمكِ الجميل أو ربما لتواسيني ما بقي لي من عمر أعيشه من دونك ...

في كل صباح استفيق فيه على صوته الحسن تتشكل في ذهني صورتك الجميلة و يعود كل شيء ليحيا من جديد في داخلي و يوما بعد يوم لم أعد أدري لمَ صار صوته الجميل يزعجني ولمْ تعد تروقني رؤيته و بات هاجسي الوحيد كيف أتخلص منه و أخفيه ، كما أخفيت الكثير في حياتي أو كما أخفت هي عني الكثير...

فتحت له باب القفص وحلق هو بعيدا في زرقة السماء وصرت ارمقه بنظراتي حتى غاب كما غابت هي...
حينها التفتُ إلى غرفتي و منذ تلك اللحظة صار كل شيءِ فارغًا ، القفص... والغرفة... ولم يعد شيء يحوي شيئا ،غير ذلك الكرسي الذي كان يحوي جسدي المقعد الذي صار هو كذلك فارغا ...



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire