هدية المدونة

هدية المدونة
لوحة بالفحم رسمتها : الكاتبة هاجر لعريبي

samedi 23 octobre 2010

المدينة الشبح



                                                               المدينة الشبح
الكاتب : مصطفى من اامغرب
لا أحد يمكن أن يصدق ما آلت إليه أوضاع المدن المغربية التي تآكلت بسبب التعرية التي مارسها عليها الفساد المالي والإداري بإصرار شديد وتربص قل نظيره مند ما يزيد عن قرن ونيف من الزمن، على الأقل مند أن خرجت فرنسا من الباب ودخل أبناؤها الذين تربوا في أحضانها من النافذة وبدأوا يتصرفون في البلاد كما لو أنها ضيعة ورثوها عن آبائهم وأجدادهم ولا دخل لأحد في شأنهم. ويبدو أنهم ورثوا حتى هذه الملايين من المغاربة الذين أصبح مصيرهم ومصير أبنائهم ومستقبلهم كله بين يدي الفرقة الناجية في المغرب، لأن المال بين أيديها بفضل ما تملكه من رؤوس أموال وأرصدة مالية داخل وخارج البلد علاوة على الشركات العملاقة الكاسرة التي يستعصي عدها، وبفضل ما تملكه أيضا من سلطة ونفوذ سياسي بعضه يخدم بعضا. فهي أي "الفرقة الناجية" دوما أهل للسلطة وأهل للفوز في الانتخابات التي تدربت على التفنن في نتائجها وصياغتها على المقاس الذي يناسبها.
المدن المغربية تستغيث ولا من أحد يأخذ بيدها فهي اليوم تنهار فوق رؤوس أصحابها رغما عنها لأن كل أباطرة الفساد تحالفوا ضدها كرجل واحد بنظام وانتظام، المدن المغربية التي قام لها العالم كله احتراما ها هو يقوم مرة أخرى لينعيها إلى مثواها الأخير.

إن لوبي الفساد العمراني في المغرب أصبحت له اليوم الكلمة الفصل في صناعة الموت للمدن ولأهلها من خلال الإهمال الشنيع الذي تعيشه هذه المدن سواء على مستوى النقص الفظيع في مستوى الخدمات لاسيما توفير الماء والكهرباء بالجودة التي تخدم الأمن الصحي، أو على مستوى النقص في الإبداع ووضع رؤية واضحة للوضع الذي يجب أن تكون عليه المدن المغربية ابتداء من هندستها التي يجب أن تستلهم الطابع العربي الإسلامي في البنايات وانتهاء بالخدمات الجيدة التي يجب أن تكون متوفرة بها من خلال لامركزية جهوية تجعل المدن تقوم بمؤسساتها المحلية وبمواردها الخاصة دون اللجوء إلى السلطة المركزية.
فكيف يقوم تجمع عمراني وكيف يتطور بدون أأمن غذائي وأمن اجتماعي؟ أو على الأقل بدون الحد الأدنى للخدمات الإجتماعية؟ اعتقد شخصيا أن سيادة الدولة تبتدئ من سيادتها على أقاليمها ومدنها الداخلية من خلال بناءها لشبكة من الخدمات الإجتماعية والإقتصادية وبناء بنية تحتية صلبة وأي ضعف في هذا الباب هو ضعف في سيادتها.


إن رجال السلطة، بكل بساطة، صنعوا لوبيات كثيرة داخل المدن المغربية ويسروا لها مهمة الفساد من خلال سياسة عامة تخدم المصلحة الخاصة. سياسة تقود البلاد إلى الطريق المسدود لا محالة. في هذه المدن المغربية أحياء كبيرة تأسست ببنية تحتية منعدمة، أحياء روعة في الهندسة وروعة في الدليس على الزبناء الذين يرغبون في شراء الشقق التي تتشقق أبنيتها وتنهار فوق رؤوس أصحابها بعد وقت قصير من استلامها، مستغلين الطلب المتزايد يوما بعد يوم على السكن. وأمام هذا الطلب غير المتوقع مال ميزان القوى ينحو منحى ضعف الجودة حتى أن عمارات تميل بمجرد دخول السكان إليها لتكون مثواهم الأخير.

رجال السلطة وأعوانهم صنعوا مدنا نموذجية في الفوضى، نموذجية في التسيب السلطوي من خلال التسهيلات التي تعطى لمن يسمون أنفسهم بالمنعشين العقاريين ابتداء من الأراضي التي يشترونها بأبخس الأثمنة دراهم معدودات، إلى استصدار رخص البناء بأيسر الطرق الإدارية، مرورا بالأبناك التي توفر السيولة السخية بأقل الوثائق وأضعف الضمانات في ساعات معدودة.. كل ذلك أعطى لهؤلاء "المنعشين العقاريين" قوة التأثير تضاهي قوة تأثير اللوبيات العاتية من أجل فرض الأمر الواقع على السياسة الحضرية في المدن المغربية.

اليوم بلغ الأمر حدا أصبح معه الوقوف بشكل عاجل قبل أن تدخل المدن السكتة القلبية من خلال القضاء على كل المجالات الخضراء والفضاءات الرحبة التي تعرف بها المدن المغربية بصفتها مدنا تاريخية تحت الرعاية الأممية.
مكناس إحدى هذه المدن التي تغتال الخرسانة فيها الأراضي الزراعية بكل وقاحة، طبعا وقاحة المسؤولين وليس الخرسانة، فيبدو هذا الإغتيال، لمن يراقب هذا الأمر، شكلا من أشكال السعار أو الوباء الذي ينتشر بين المخلوقات إلى درجة أصبح من الصعب معها توقيف طوفان الخرسانة الذي ذهب بكل ما كانت تتمتع به الحاضرة الإسماعيلية من رونق طبيعي، وسلام ملائكي، وعبق تاريخي.
آلاف الهكتارات الفلاحية الخصبة تغتال كل يوم ومساحات واسعة من سهول مكناسة الزيتون تتحول بقدرة قادر إلى أحياء حزينة صامتة ومهمشة مند ولادتها. المدينة اليوم تتطور ليس بمؤسساتها العمومية، وليس ببنيتها التحتية، وليس بفضاءاتها الرحبة، ولا بمسارحها ولا بقاعاتها السينمائية ولا بملاعبها وإنما تتطور بخرسانتها التي أصبحت دمارا شاملا يأتي على كل أخضر ويابس بالمدينة الإسماعيلية.

للأسف الشديد، المسؤولون عندنا بمكناس لا يتوفرون على كفاءة علمية ولا تربوية ولا أخلاقية حتى تكون لديهم رؤية واضحة لما يجب أن تكون عليه مدينتهم في العشر سنوات القادمة، لا يتوفرون على خارطة الطريق واضحة لمستقبل المدينة لكن لديهم رؤية واضحة لما يمكن أن يبلغه الفساد في هذا البلد وهو أن تكون وزارة بأكملها مهمتها السامية الفساد والإفساد.








Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire