هدية المدونة

هدية المدونة
لوحة بالفحم رسمتها : الكاتبة هاجر لعريبي

samedi 23 octobre 2010

فرنسا وسؤال الهوية


الكاتب : مصطفى من المغرب

بدأ في عاصمة بلاد الأنوار تصويت الجمعية العامة الفرنسية على مشروع قانون حضر غطاء الوجه ويقصد به البرقع والنقاب الذي ترتديه النساء الفرنسيات المسلمات سواء اللواتي لديهن أصول عربية شرقية أو مغاربية أو اللواتي لديهن أصول أروبية عريقة. ويعتبر هذا الأسلوب السياسي حلقة من حلقات متواصلة مند أمد بعيد في التضييق على المرأة المسلمة ببلاد الغرب من خلال استصدرا قوانين وفرض غرامات تحد من حريتها في اختيار المعتقد، واختيار أسلوب حياتها الخاص سواء داخل مجتمعها أو داخل أسرتها، مما يضع سؤالا عريضا حول حقيقة الحرية، القيم الأخلاقية، والإنسانية التي تتحدث عنها أوروبا في الألفية الثالثة.


فإذا كانت فرنسا تستعد اليوم لهذا التصويت لإعطاء على الأقل الشرعية القانونية لسلوكها المتشنج اتجاه لباس المسلمات الفرنسيات، فإن دولا أوروبية أخرى كانت سباقة إلى الحسم في هذا الأمر، لاسيما وان انتشار الإسلام بشكل قوي وناعم بين أبناء وبنات الغرب وكذا جاذبية أسلوب هذا الدين في تقليص المسافة التواصلية بين الأجيال أصبح أمرا يؤرق السياسيين والمثقفين، معتبرين ذلك، حسب زعمهم أن هذا ضرب قوي ومباشر في مبادئ ومقومات دولتهم، بل ضرب في عمق الثقافة الأوروبية المبنية أساسا على "العلمانية" و"الحداثة".. لذلك نجدهم يدقون دوما ناقوس الخطر في كل مرة أحسوا فيها بأن شيئا في المجتمع أصبح يتحرك في اتجاه التغيير، أو في اتجاه ظهور أنواع جديدة من مظاهر الحياة داخل المجتمع، لأنهم يعتبرون أن جميع الدول والأمم إنما تقوم في بناء حضارتها على مبادئ لا يمكن التنازل عنها أو السماح باندثارها ولو كانت باطلا، لاسيما إذا كانت مبادئ هوياتية لأن بها تحيى وبدونها تموت.

لكن لماذا الآن بالذات يتحول سؤال الرأي العام الفرنسي والأوروبي بسرعة وبإلحاح نحو الخوض في مسألة الهوية والدماء النقية؟ حتى أن معالجة هذا الأمر لم تتم بالأسلوب الحضاري والإنساني وإنما تمت بالعقلية وبالطريقة العنصرية التي سلكها المكتب المقدس لمحاكم التفتيش بالأندلس في مسلسل تاريخي كان الهدف منه، كما هو معلوم، التطهير العرقي والديني للمسلمين العرب أو الموريسكيين ذوي الأصول الأوروبية الذين دخلوا في الإسلام من شبه الجزيرة العربية. ويبدو على أن هذا السؤال هو الذي أفتعله السياسيون هذه الأيام، ليصبح "بوليميك" في كل صالونات العواصم الأروبية تقريبا، لأن هؤلاء الساسة وغالبيتهم من توجهات حزبية يمينية استطاعوا فعلا أن يوجهوا الرأي العام والإهتمام الشعبي، بدهاء منقطع النظير، نحو الخوض في مسائل لا علاقة لها بما يدعون أنه تهديد لكيان دولهم، في وقت كان يجب الخوض بإلحاح شديد في مسألة كيفية الخروج من الأزمة المالية الخانقة التي ركدت الإقتصاد، وقلبت موازين المؤسسات المالية والصناعية في كل دول الإتحاد الأوروبي ودمرت النسيج الإجتماعي من خلال ارتفاع نسبة البطالة إلى مستويات خطيرة أصبحت تنذر بإفلاس كبير للمؤسسات الغربية، ففي فرنسا وحدها بلغت نسبة البطالة 9.6% في حين بلغت في بعض الدول المجاورة نسبة 9.9% وهي مرشحة لبلوغ نسبة 10% بسبب تسريح العمال وإغلاق وحدات إنتاجية، وشركات كبرى بأكملها كانت في الأمس القريب محصنة من أي رجة في ميدان المال والأعمال. وقد بدأت الأزمة في أروبا تعرف منعطفات جديدة وخطيرة بعد خروج برلماناتها بتوصيات حول ترشيد الميزانية ونهج سياسة التقشف، ونقصد بالذكر هنا وضعية اليونان والبرتغال والتصريحات الأخيرة لأنجيلا ميركل المستشارة الألمانية بدعوتها الشعب الألماني للإستعداد لأيام صعبة بسبب الأزمة.

ومن جهة أخرى، فبعدما كان الساسة الأروبيون يراهنون اجتماعيا على سياسات الإدماج من خلال قبول إسلام خاص سموه الإسلام الفرنسي، أو الأوروبي ها هم اليوم يتحدثون عن أسلمة فرنسا، باعتبار أن الديانة الإسلامية هي الديانة الوحيدة التي يمكن أن تتقاسم المرتبة الأولى مع المسيحية في كل دول أوربا، بل منهم من اعتبر أن الإسلام هو الدين الحقيقي لفرنسا اليوم، فمن جهة يعترفون بواقعية وقوة الإسلام في مجتمعاتهم ومن جهة يخططون لأشكال إدماج هذا الدين وأهله في بوتقة يحكمون عليها قبضتهم ويسيطرون في المهد على أي تطور لا يخدم مصلحتهم السياسية.

لكن لماذا تخشى أوربا الإسلام، وتخشى صبغته على مجتمعاتها؟ ولماذا تعتبره طمسا لهويتها؟ وهل مثل هذه القوانين تحمي الديمقراطية وحقوق الإنسان في أوربا، أم أن حقوق الإنسان المسلم والمرأة المسلمة بالذات مستثنية ولو كانت دماؤها أوروبية من هذه الحماية ؟

إن ما يعيشه الفكر الفرنسي بالذات من اختلاط المفاهيم هو ما كان يعيشه الفكر الأسباني بعد نكسة 1898 التي كانت نهاية الإمبراطورية الإسبانية في كل من الفلبين وكوبا آخر مستعمراتها، فأصبح السؤال يطرح نفسه في كل شبه الجزيرة الأيبيرية بين من يدعو إلى أسبنة أروبا لأن إسبانيا كانت إمبراطورية وهي من لها الحق في صناعة أروبا ويشكلها ايديولوجيا وفكريا، وإتباع أسلوب الحكم الإمبراطوري بنفس النهج ونفس العظمة، ومنهم من يدعو إلى أوربة أسبانيا وإدماجها في محيطها الطبيعي، المحيط الأوروبي الذي ولت له ظهرها لما كانت إمبراطورية، ولم يستقر الحال على الإختيار الأخير إلا بعد مرور أكثر من خمسين سنة.

أوربا اقتنعت أن لاشيء يضمن المناعة لاقتصادها بعد زلزال الأزمة المالية العالمية التي لازالت المقاولات والشركات تكتوي بنارها إلى اليوم بالرغم من اندماجها في سوق أوربية موحدة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وحتى عسكريا، فلجأت إلى تقنية ربط اقتصاداتها ببعض الدول النامية بحوض البحر الأبيض المتوسط ومنها الدول المغاربية عساها تخفف من عمق الأزمة من خلال اتفاقيات وشراكات متعدد. كما اقتنعت أن لاشيء يضمن لها أن تبقى هي نفسها أوربا التي عاشت فترة من الزمن داخل البعد الجغرافي والاجتماعي الأوروبي، لاسيما وأن رياح التغيير التي كانت في الأمس القريب تأتي من الغرب المسيحي لتشمل كل العالم، أصبحت اليوم تأتي من الشرق الإسلامي بحمولة إسلامية وبفكر إسلامي مرتبط بشكل كبير بقضايا الأمة ومن بينها قضية فلسطين، والعراق، وأفغانستان زد على ذلك أن المشرق والمغرب العربيين يعتبران اليوم نقطة ساخنة في تفاعلات الأحداث في العالم ونقطة محددة بامتياز للسياسة العالمية.
في الحقيقة أروبا تعيش اليوم صراعا نفسيا داخليا عميقا مرده إلى اختلاط المفاهيم لديها بشكل كبير وفظيع مما جعل هذا الفكر الغربي "التنويري" يعش في صراع مفتوح بين ما كان يؤمن به من مفاهيم قانونية واجتماعية وسياسية إيمانا راسخا شكل إلى حدود اليوم مرجعيته المقدسة في صياغة سلوكه وهندسة مستقبل أروبا ككيان سياسي واجتماعي وعسكري، وبين ما أصبح لزاما عليه بالضرورة الإيمان به كحتمية تاريخية، إن أراد أن لا يٌُتجاوز على الأقل مفاهيميا. فلا هو اليوم استطاع أن يتخلص من مرجعيته العقلانية المستصغرة للدين والمؤلهة للمنطق العقلاني، والمحتقر للآخر، ولا هو قبل وانفتح على تيارات الفكر الجديد، الفكر الإسلامي، فكر المقاومة، فكر الممانعة، فكر الحق في امتلاك وسائل القوة والحضارة، حق الإفلات من التبعية وامتلاك القرار السياسي.. مما ينذر فعلا بزوال مفاهيم الفكر الغربي واجتثاث أصوله.

لعل أحداث 11 شتنبر 2001 كانت بداية حقيقية لأوروبا لتفهم رويدا رويدا أن تطور النسيج الاجتماعي لا يسير ولا يتطور وفقا لنموذجها المقدس، بسبب كل الأيديولوجيات التي بارت في زمن الصحوة الإسلامية في أروبا وأمريكا، وبارت أيضا بسبب أحداث فلسطين لاسيما الحرب على غزة وقبلها حرب الصهاينة على حزب الله وهما حدثان شكلا وعيا جديدا وإيجابيا لدى العالم ولدى المسلمين بالخصوص، ثم أحداث العراق وأفغانستان كل هذا شكل نظرة جديدة للعالم لم تكن في حسبان الغرب فصدم عقليتها وخرب ؤمفاهيمها.
فعالم قبل أحداث 11 شتنبر ليس هو نفس العالم بعدها، وقد تتشكل العقليات والقناعات من جديد بسبب طبول الحرب التي بدأت اليوم تقرع ضد إيران ولبنان وجل دول الممانعة، وضد كل من يتجرأ على الإستقلال الحقيقي والسيادة الحقيقية، فرب ضارة نافعة.

إن الحرب على النقاب أو الحجاب أو أي مظهر من مظاهر المجتمع الإسلامي ليس إلا جزء بسيط من الأجزاء الكبيرة لحرب طويلة الأمد على الشرق والغرب الإسلامي والعربي، فهل من صحوة لمن يهمه الأمر؟









Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire